top of page

فاطمة برزنجي

نسيج الذاكرة

تشكّل الذاكرة موضوعة أساسية في أعمال فاطمة برزنجي. فالفنانة، بلوحاتها وأعمالها الأخرى المنفّذة على الورق، تعاود التفكّر بأمكنة مسقط الرأس وأغراضه وأجوائه وعوالمه الثقافية ومسارح صباه التي لا أمل في العودة إليها. نشأت برزنجي في آغجالار، البلدة النائية في كردستان العراق، والتي تهجرت منها عائلتها ودمرت تماماً سنة 1988 خلال "حملة الأنفال". درست فاطمة إدارة الأعمال في بغداد وغادرت العراق لأسباب سياسية سنة 1997 لتستقر في هولندا حيث تخرجت في الأكاديمية الملكية للفنون (لاهاي) سنة 2005.

تنتظم أعمالها ضمن مجموعات متسلسلة وفي خطّ توترات متواصلة، فتتراوح بين الرموز والتصاوير المجرّدة والأعمال غير القابلة كليّاً للتصنيف. ويتسم العديد من تلك الأعمال بإتقان شديد وأسطح وامضة وشبكيات كُوّنت بالحفر والخطوط والسهام والخربشات، أو برقعٍ لونية صغيرة تحاكي ضربات الطلاء. وتأتي أنسجة هذه العلامات المتشابكة، المشغولة بشق النفس، لتستحضر، بالقوام والأسلوب، ورش الحبك التقليدية التي التحقت بها الفنانة في أيام طفولتها. فتبدو ممارسات الصنعة الهادئة والتكرارية، على هذا المنوال، عميقة الصلة بأفعال الذاكرة والخوض في غمار الماضي.

وتبدو المشاهد الطبيعية وعناصرها خافتة الحضور في أعمال برزنجي التصويرية التشكيليّة. إنها أغراض شبحية –  مثل وعاء خزفي، وخزانة تقليدية، وستارة مسجد مخططة – تظهرُ مشوشة وتقطعُ وسط التآليف، فتنفصل عن سياقاتها المنزلية كصور حُلمية تطفوا على صفحة الأفكار. وثمة ضمن أعمال الفنانة نزهات تصويرية غنائية، كتلك التي استدعتها زيارتها الأولى إلى آغجالار بعد انقطاع مديد، حيث أثمرت الزيارة سلسلة لوحات مناظر طبيعية رثائية تعددت فيها طبقات المصادر الأولى. إذ أن الصور الفوتوغرافية التي التقطت خلال تلك الزيارة وأدت أدوار مساعدة في حث الذاكرة، أنزلت على المجال الأرضي المتبدّل بعد الحرب، والجاثم بدوره على مجال أو مسرح ذاكرة أسبق. كما تأتي شبكات الخطوط المتداخلة، في سلسلة موازية، لتغطي تآليف غير صورية، فتستحضر أساليب تقشفية (منيمالية) وتوجهات حداثية أخرى. وقد يذكّر النسيج والقوام في هذه الأعمال بالثياب أو بسماء الليل الصافية، أو قد يوحي باحتمال ذوبانه وانحلاله في نقاء تجريدي.

منذ سنة 2017 تنشغل برزنجي بدراسة المربع، العنصر الأساسي في الفن الإسلامي التقليدي، والذي يمثل أيضاً ركناً أساسياً في سياق حركة الفن النخبوي بالقرن العشرين. وجاءت أعمالها في هذا الإطار، المنفذة غالباً على ورق، أكثر بساطة ونقاءً وشفافية من أعمالها السابقة. ونفذت الأعمال المذكورة على لوحات تعكس جهود عمل مكثفة، كما إنها تتضافر وتكمّل بعضها بعضاً ضمن تجهيزات جدارية، لتقوم مرة أخرى باستدعاء فنون الخياطة والتطريز والحبك وصناعة البسط والأنسجة، تلك الفنون المفعمة بالذاكرة.

النص لـ هيلين شرويدر

Modca Beiroet
bottom of page