top of page

العنوان 2

الفكرة

مودكا ليست تذكّرًا أو حنينًا لمقهًى لم يعد موجودًا في شارع الحمرا البيروتي، بل هي استعادة، على شكل فسحة، للمحادثات والتفاعلات التلقائية العشوائيّة التي كانت تحدث عنوة هناك، في ذاك المكان، على الرصيف، عند ناصية طريق تزدحم بالسيارات، وتضجّ بالزمامير.

إنّها فسحة تستلهم تلك التفاعلات التلقائية التي ولّدت محادثات تصادُفيّة. وهذه الأخيرة قد تكون مستمرة بالحدوث هناك، أو في أيّ مكانٍ آخر، في أيّ مقهى آخر، في مدينة أخرى، أو حتى في مكانٍ لا هو مدينة ولا مقهى، بل مجرّد رصيفٍ أو سبيل يسلكه عابرون، فيتحادثون عن كلّ شيء ولا شيء، عنوة ومصادفة.

وفكرة مودكا ولدت هكذا، على هذا النحو ربّما، ثمرة لمحاورات تلقائيّة ومُصادِفة. وهي بالتالي تستحضر ذاك الحبّ، غير المشروط، للمُصادفات، وما يمكن أن تحمله هذه من مفاجآت لذيذة. ويمكن لمودكا أن تكون ركنًا، رصيفًا، معبرًا، أو واجهة عرض، يصادفها العابر إذ يطوف في مكانٍ ما من دون هدفٍ أو وجهة. إنّها ذاك المكان الذي يصادفه فنانون بصريّون، وكتاّب، ومفكرون، وهائمون، فيُحيلهم إلى بيت قديمٍ صودف أنّه من عشرينيّات القرن التاسع عشر، وقد شهد وخبر حربين عالميتين.

اسم مودكا في الأصل مشتقّ من مدينة المخاء في تعز اليمنية، مُشاطئة البحر الأحمر، التي كانت سوقًا رئيسةً لتصدير البنّ بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر. وقد غدا الاسم وسمًا لضرب قهوةٍ استورده الإيطاليون من مرفأ تلك المدينة.

ومودكا التي نأوّلها ليست فقط بيت لإنتاج وعرض فنون وثقافات من لبنان أو اليمن أو إيطاليا أو هولندا، بل هي أيضًا منصّة للكتابة وشرفة للتأليف وواجهة لعرض الأفكار. إنها منزل، وغرفة جلوس بواجهة عرض، تُتيح الشكّ، والتردّد، والتخفّف، والتفاعلات التلقائية، والطهو، والغناء، ونشر الأفكار وإعلانها.

ومودكا التي نأوّلها، للمصادفة، كانت ملحمة، ما زال سقف فضائها يضمّ خطافات الذبائح، التي كانت، للمصادفة أيضًا، أحصنة. وبعد الملحمة حلّ في المكان صانع أحذية من زوتفن، فسكن البيت طوال أربعين سنة، واشتغل في المعمل الخلفيّ في أحلك فترات الشتاء، وعرض مصنوعاته وباعها واستقبل الراغبين في تصليح أحذيتهم، في محلّ الواجهة.

وفي مودكا، فضائنا الراهن، نُحب التخفّف واستراحات بعد الظهر، ونهوى عرض الأفلام ومشاهدتها، وغسل الأقمشة وحبكها، واستضافة العروض، والطهو، والتذوّق، واحتساء القهوة، واستقبال الأصدقاء والزوار، والنوم، واللهو، والتفكّر بالذات، والتعامل مع حال الجوائح، والتواصل مع الفنون والأفكار التي نودّ مقاربتها والإنشغال بها وفق المزاج والهوى.

ولمودكا لغات ثلاث، لا بل في الحقيقة أكثر من ذلك. كما إنها من دون لغة أيضًا، كونها قد لا تحتاجها. فهي قادرة على الصمت. وقادرة، في الوقت عينه، على الصخب والضجيج. هل نسميها فضاء فنون؟

أم فسحة؟

أو ركن؟

شاعرٌ في مودكا بيروت قال مرة: لم يبق شيء سوى اللعب. إذن هيّا!       

Modca Beiroet
bottom of page